اخر الاخبار

آخر القصائد
آخر الأخبار

الأحد، 22 سبتمبر 2013

ذاكرتها ازدحمت بويلات الحروب ومآسيها




بقلم: ماجد البلداوي : عالية طالب قاصة وروائية تتميز بصوتها الخاص في مجمل تجربتها القصصية والروائية فضلا عن كونها صحفية لامعة تمتلك لغة رصينة وقدرة إبداعية علي توصيل موضوعاتها للمتلقي بنجاح.
ولعلنا نلمس هذه القدرات في اغلب تجاربها القصصية والروائية وخاصة في مجموعتها( بحر الؤلؤ) التي كان لصدورها وقع خاص في المشهد الأدبي العراقي والعربي، والمجموعة تتجلي عبر عملية سرد امتزج فيها الهم الإنساني الخاص بالواقع المعاش بكل مراراته وانكساراته وتحولاته المفاجئة.
ان عالية طالب وهي تلج بحر اللؤلؤ تستجمع كل قواها التعبيرية في التصوير للخوض في لجة هذا البحر العصي بعد ان امتلكت عدة الغوص في أعماقه المتشعبة المتشابكة الخطوط.. الأمر الذي يجعلنا مدفوعين بقوة لاستقراء أسرار هذه الأعماق.
ان عالية طالب في بحر اللؤلؤ تتجاوز أسلوبها القصصي في مجموعاتها الروائية والقصصية السابقة ( الممرات) و(بعيداً داخل الحدود) و(امرأة في العراء )و(الوجوه -رواية-) (أم هنا.. أم هناك- رواية-) بخطوات سريعة ولغة صافية اعتمدت تشغيل مفردات منظومتها المفاهيمية وأجهزتها الفنية التي تراقب بعين كبيرة حركات الواقع وتفاصيله الصغيرة والكبيرة وسكونياته وصخبه ومتغيراته الأخري.
المجموعة تضم 22 قصة إلا إنني اخترت ثلاث قصص منها ترتبط بنسج مشترك تحركه خيوط مشتركة تشتغل علي ثيمة واحدة هي هاجس المرأة واسقاطاتها النفسية والاجتماعية في ظل واقع متدهور متغير المعالم.
في قصتها ترمل الذاكرة تحاول عالية طالب الإمساك بخيوط الذاكرة التي تحتشد بالكثير من المفردات والتجارب والأحلام والاحباطات، فهي ترسم لنا تحولات الإنسان المشبع بويلات الحروب والانكسارات والنكبات المتلاحقة، والمفجوع في كل حين، وبدأ من عنوان القصة الذي يحيلنا الي مرجعية تاريخية.... حتي نهايتها تجد عين السارد تتحرك ذات اليمين وذات الشمال لتلتقط ما تراه امامها.... انها بالضبط استرجاعات لأحداث حصلت ووقائع قد تحصل... بينما تظل المرأة محور هذه الجدلية.. ضائعة، مغلوباً علي أمرها قلقة تعيش واقعا نفسيا خاصا يجعلها تجتر ذكرياتها وتفاصيل حياتها لتستمد القوة والشجاعة وتسلح نفسها بالصبر إزاء مااصابها من خمول وإحباط وهذا مانجده واضحا في الحوارات التي تثيرها القصة بين المتكلم وظله باعتماد الفلاش باك والتصاعد الدرامي للحوار الذي ينتقل من لغة المتكلم الي المخاطب بلغة مشحونة بالحنين الي الماضي ليثير الكثير من الاسئلة.
(ما أن وطأت قدماها باحة المكان حتي بدا شعور بالهزيمة يغتال خطواتها وألم مزعج يطوق عينيها وغبار هائل يجول داخل رأسها مختلطا بأصوات غريبة تشق حنجرتها وتعلو فتخطف تفاصيل من ذاكرتها وتسقطها تباعا امام عينيها فيما يستمر الألم يضغط برعب حول أنفاسها.
تعود بعد قرار حاسم استطال ليبتلع اصراراها، وكيف ستجيب التساؤلات وضحكات الانتصار عليها، وتلك العبارات المغلفة بسياط لن يكون بامكانها استئصال تسللها الي اذنيها. تطلعت باتجاه المبني الذي بدا يقترب سريعا سنوات طوال أضاعتها داخل جدرانه وجوه وأحداث وحوارات وتحمل ونزاعات شاركت فيها كلها وتحملت معظمها. فلم يكن أمر تعايشها وسط الاخرين يهمها كثيرا بقدر ما يهمها الاحساس بالانتظار الذي روضت نفسها عليه. تري ماذا تنتظر سؤال اعتادته وأستمرأت عدم الإجابة عليه يكفيها شعورها بالانتظار فربما سينتهي كل شيء يوما ما.في اية لحظة كان هناك شيء من مشاعرها ينتهي وتهتف لسقوطه دون ان تفهم كيف يحتفل المرء بزواله بكل حياد العالم. ويوم شعرت ان لم يعد لديها ما تسقطه لم تتعب كثيراً بالبحث فقد اكتشفت أنها لم تكن تحتفل بخوائها إلا لتبقي شعور انتظارها متوحدا فيه ستسترجع كل ما ابتهجت لزواله ودفعه واحدة. سيعود هي واثقة يوما ما ستراه أمامها حاملا كل سنوات وحدتها بكفن جميل سيدفناه سوية، سيختاران قبرا جميلا ولن تبخل الأرض يومها بكل ترابها الذي حفظ وقع خطواتها وحيدة! ما بالها تخاف الاقتراب ومن أين يأتيها هذا التوجس المريب مم تخشي؟ النظرات التي اعتادت ذبولها همس الإحالات السقيمة كثيرا ما حملت أثقالها، الاستهانة، وعلام كل ذلك؟)
وفي قصة لحظة اكتشاف القمر تنجح عالية طالب بتحريك شخوص قصتها وتجعلهم يتحدثون عن أنفسهم وعن الأحداث التي واجهوها وكيف كانت المرأة تنمو بدواخلهم لتطلق صوتها المخنوق ومخزوناتها العاطفية وكأنها خاضعة لعملية التنويم المغناطيسي لتطلق مكبوتاتها النفسية وانفعالاتها والبحث عن وجودها وفرحها المغيب، وتظل المرأة في قصص عالية طالب هي الضحية الأولي في هذا المجتمع الذي تتناهبه الأزمات والتيارات المختلفة والمفاهيم السائدة المتخلفة.
(استيقظت امس في الثالثة فجراً، شعرت بالبرد، قشعريرة رهيبة تجتاحني، قد تقولين مجنون لكني خرجت إلي الشرفة لأستنشق عطرك في ازهاري، كنت بحاجة لك، وجدتك في ندي الفجر وأحسست بالدفء، هدأ الألم في أطرافي المرتجفة، مر وقت لا أحدد اتساعه وانا واقف أراك أمامي، ممتلئا تماما بوجودك قربي، ثم عدت لسريري وأنا متطهر بخيالك، ياه كم كنت رائعة.
أغمضت عينيها، أعرف انها فعلت فاستجابتك لاغماضتها جعلتني أرتجف وانا أراك تحلق في شرفتك مثل شراع يبحث عن سكينة قادمة.
جاءني صوت نادية واهناً، أمسكت قلمي، الخطوط مرتبكة لا أعرف حروفها، قالت:
أضعت عمري معك هباءً.
أمسك أكرم بكفيها متوسلاً:
كلامك كالفؤوس، لم تعد قدارتي تحتمل.
وكيف لي أن أحتمل هذا الصخب المتدافع حولي، وحيدة، محرومة اصغي الي حوارات متضادة. كل الحب، وكل القسوة، الأربعة يتقاذفونني وكأنني لعبة مهملة لايسال عنها أحد. نفضت اصابعي فسقطت نادية فيما صمت أكرم يتابعها كالمذبوح.
جاءني صوت ضحكتها فيما صوته يتوسل بها وهي تنهض بدلال.
لاتتأخري.
خمس دقائق فقط.
تركتك وحيداً يالها من بائسة، أيترك كل هذا الوجود المفعم بسحره وحيداً، قمت كالمسحورة، دون تخطيط أو سبب أو هدف. اقتربت منك، لم تسمع خطواتي، لم تلتفت الي حركة أصابعي التي لاأعرف ماذا أفعل بها فيما كان القلم منسياً بينهما، بل ربما يساندني بشجاعة غادرتني دون أن أفهم؟ )
ولأن عالية شاعرة أيضا حيث سبق وان أصدرت مجموعة شعرية بعنوان (الشمس لك) فقد وظفت قدرتها الشعرية في انجاز قصة بحر اللؤلؤ لتشحنها طاقة البوح...
(لم أستطع أن أكمل غصت الكلمات في حنجرتي
وابتعلت لساني وأنا ألوك جملا،
تخونني شجاعتي بإسماعك إياها كما أريد.
وكما تصخب داخلي.
ليتني عشت لحظة الاكتشاف كما عشتها معك،
ليتنا أخرسنا الأصوات وأغلقنا دائرة الكون علي توحدنا،
ليتني أمسكت طرف الدوامة وبقيت أدور وأدور إلي ما لا نهاية.)
بهذا التوهج ترسم عالية طالب ملامح هذه القصة وهي تقف بثبات صوتها الواضح بين حشد الأصوات النسوية الأخري لتعلن حضورها الإبداعي في كتابة قصة ناجحة تتوفر علي كل شروط العمل الفني ومعطياته الإبداعية، وبرأيي المتواضع أجد عالية طالب واثقة من مشروعها في تقديم نماذج قصصية تستحق الدراسة والتأمل ولعل مجموعتها بحر اللؤلؤ تعد نموذجا ناجحا للقصة العراقية الجديدة.
بحر اللؤلؤ مجموعة قصصية صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد ضمن إصدارات عام 2006 وضمن (22) قصة.



0 التعليقات:

إرسال تعليق