اخر الاخبار

آخر القصائد
آخر الأخبار
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات نقدية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات نقدية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

طعم الزمن العراقي بكل أوجاعه وآلامه وتطلعاته في غيوم ليست للمطر للشاعر ماجد البلداوي

          
    / رعد زامل/  في المجموعة الصادرة عن دار شمس في القاهرة 2008( غيوم ليست للمطر ) للشاعر ماجد البلداوي وهي إصداره الشعري الرابع يعمد الشاعر إلى تأثيث نصوصه بصور لها طعم الزمن العراقي بكل أوجاعه والامه وتطلعاته .
 أن الشاعر ومنذ العتبة الأولى للمجموعة  يدعو المتلقي إلى نزهة في غابات النصوص التي تشد القارئ إليها بخيط التواصل وعدم انقطاعها . إذ إن نصوص الشاعر ماجد البلداوي هي نصوص مكتنزة بالمعنى . نصوص لا تشكو الترهل ولا تصيب المتلقي بالصداع . فالعنوان الذي يشكل مفارقة مفادها إن غيوم الشاعر هنا  ليست غيوما للمطر لكنها غيوم للكشف والتطلع إلى الأعالي وأخيرا الى الخلاص هذا إذا ما اعتبرنا ان الغيوم هي رمز لخلاص الأرض من الوجع والجفاف والعطش الإنساني . وما على المتلقي إلا السير الحثيث وراء صوت الشاعر الزاحف قدما إلى ما تنثره تلك الغيوم من بشارة . وفي سياق القراءة الثقافية لهذه النصوص يتضح جليا إن غيوم البلداوي هي بمثابة الأمل الموعود والأفق المنتظر الذي تتطلع أليه عيون المتعبين . فدلالة المطر تتشظى في أكثر من نص وتهطل فوق أكثر من بقعة هنا ومرج هناك . فالمطر يتمظهر بأكثر من شكل ويلبس أكثر من وشاح وهو بالنتيجة الماء الذي يشكل المادة الخام للوجود . فهذه المفردة تقفز بين النصوص لتشكل ملامح تجربة شعرية في واحدة من أهم مجاميعه . وفي ثنايا المجموعة نطالع جملا شعرية كثيرة تدعم ما ذهبنا أليه ( يا جرح احتشد \ فلرب ماطرة تكون ) ( تغني للإمطار وللأشجار ) ( يا شجن الناي \ وهو يترجم حزن الماء ) ( اهتف للبحر هيا تعال \ فيخرج المطر من ليله ) . كثيرا ما تغنى الشعراء بالأمطار والشاعر بدر شاكر السياب له أكثر من مثال بهذا الصدد غير الشاعر ماجد البلداوي لا يتغنى بالمطر وكنه يطرح مع قطراته أسئلة إنسانية  ووجودية عدة . فيقول ( آتيك محمولا على طبق من الإمطار ) ( لا لست استر خيبتي \ وشهيق أمطاري ) ( امسح من زجاج غيمتي هذه النحيب ) ( ما بال الغيمة \ تبكي حجرا \ ما بال الأرض تنز دما ؟ \ وتميد بأكواخ الفقراء \  ثمة غصة صوت في حنجرتي \ آه ما أعذب ان نتطهر بالذكرى ) . والشاعر ماجد البلداوي يرسم صورة الوجع بعد ذلك بعيون الفنان المأخوذ بعذوبة الكلمات والعارف لينابيع الدهشة  فهو لا يرسم لوحاته الشعرية إلا وهو على يقين من انسجام الضوء والظل في خلق أبعاد الوجع الإنساني النبيل . يتجلى ذلك في قصيدته القصيرة _ وصول _ ( وصلنا إلى البحر ؟ \ لا \ وصلنا إلى البر ؟ \ لا إلى أي طرف سنودع أحلامنا المقبلة  ؟ ) . لا ازعم هنا باني الم بكل دلالات النصوص في أنساقها الثقافية ف ( غيوم ليست للمطر ) تشكل امتدادا واسعا على خارطة الوجع الإنساني يحملها الشاعر على أجنحة الروح وهي ترفرف في أعالي اللغة المشحونة بسخونة الشعر .


شعرية البوح والانصياع للغـــّــــــــــة.. قراءة في ديوان غـــــيوم ليست للمـــــــــطر

                                                     


 /بقلم الشاعر والناقد نصير الشيخ/ {1}هل المرأة ..أم القصيدة تمارس حضورها المزمن في ذات الشاعر..؟  قد يبدو سؤالا أزليا مبعثه الشعر وحده..والشاعر من يعنى به تاليا..؟  هل ثمة مشتركات بينهما (المرأة والقصيدة).
.هل هما مراوغتان حد اللعنة..؟  هل طبيعتهما(الأنثوية/المائية) متماوجة،عصية على الإمساك..؟  أي منهما يشعل جذوة الاحتراق في جسد صاحبه،في ذات الشاعر وخباياه؟  وأيهما،يشعل جذوة الائتلاق كيما يكمل الشاعر نشيده السرمدي،صانعا من دمه كأسا من كلمات تشربه البرايا..ومن جسده خبزا يعلمهم طعم الحياة..... يمنحهم الخلود كمعنى،ويفنى الشاعر كجسد..  هل كانت وستظل المرأة والقصيدة جدلية أزلية منذ أول نشيد سومري، وأول قصيدة تغنت بها(أنخيدوانا) وحتى اللحظة.. لماذا لم يقتل التكرار هذه الجدلية،بل على العكس راحت تتوهج أكثر فأكثر من شاعرالى شاعر يضيئها،ويعيد صياغتها بمنتهى الجمال..

{2 }  في ديوانه الشعري الرابع (غيوم ليست للمطر)والصادر عن دار شمس للنشر والتوزيع/القاهرة..يدلنا الشاعر{ماجد البلداوي}إلى تلك المثابات،وأولها المرأة..فهي منذ البدء لها الجهات،ولها السؤال،ولها جغرافيا الروح والكون  ..حتى لو قادنا اشتهاءنا إليها إلى الاشتعال..!
 يرى الناقد حاتم الصكر في كتابه مواجهات الصوت القادم أن((لحظة الكتابة،امتحان حقيقي للشاعر.أن يختزل مشاعره ويكثفها بشكل يعطي المتلقي صورة مؤثرة عنها..من كان(فعل)الشعر طقسا جديرا بالتمثل..فكيف  تنبئ الكلمات المصفوفة إلى بعضها في نظام غريب،عن هم تجربة وخلاصة عناء..)).
 أسلوبية الشاعر هنا خلاصة قاموسه الشعري تشي بمتواليات دلالية عمادها  صف الكلمات المختزنة أبعادها الدلالية والروحية..إذ برزت في أغلب قصائد الديوان متوالية(المرأة،القصيدة ،الشجرة) في ؤحدة ائتلافية كمنت تصوراتها عند المنابع القصية للذات الشاعرة،هذا الحضور (ألبدئي)لهذه الأقانيم،بانت مشتركاته رغم تنوعها،ألا انه لايخلو من ثوب قداسة أضفاه الشاعر عليه..!ذلك إن المرأة هي الوجود الأزلي لطعم الحياة والتي لايستطيع الشاعر مفارقته إن لم نقل التطامن إليه..هي حضور عضوي كجسد يفيض برغباته،وهي ثمرة ألهيه مشتهاة على الدوام،عبر حضورها الجلي عبر العصور،حتى لو تطلب الأمر العبور إليها للخوض في برك الخطيئة..
 والقصيدة هذا الوجود(الآني /الكلي)للشاعر،عنوانه الأنطلوجي وهويته الثقافية لصنع صيغ حياة دائمة النماء عبر الكلمات..أنها كون لامرئي تجاوز خط البصر/العين المجردة،أنها اللامتجسد..فمن أين تجئ إذن..؟
 معلنة اشتهائاتها الغامضة/الواضحة،العصية/السلسة..  والشجرة،هذا الوجود العضوي الذي يجدد لنا على الدوام صور الطبيعة  كخلق ألهي لامتناهي،يقاسمنا حياتنا،ويعمق فينا رسم اللون وصناعته...
              
(أيتها الشجرة التي لاتكف عن الهديل
أليك كفي
خذي لوعتي..وحرري الألم)
قصيدة شجرة للصهيل ص41


{3}  في أشارة تشكل مشتركا ينساح عبر النصوص الشعرية،قافزاالى حيوات كتابها،تتضح لنا محنة الشاعر التي تتوالد على مر الأزمنة والعصور..الذات بمواجهة العالم.هذه المواجهة وبكل ماتحمله من احتدام،يسعى خلالها الشاعر لتوكيد ذاته،رهانه الشعر مخلقا عالما اقرب الأسطرة يعد بالحرية والجمال..



(أيها الشاعرالمتوزع بين الخسارات
علق قميص نجاتك،
وأختر من الأصدقاء ..الرماد)
                                            قصيدة تعالي نمسك القمر
                                                                              ص51

 في تلمسه للظواهر الفنية في شعر السبعينيات يرى الناقد حاتم الصكر  ان  ((سمة الاندماج بالآخرين بصورة فرح مستقبلي يستوعب في سعته أشجار الوطن ونساءه وأطفاله وأشياءه الأخرى مما يشحن القصيدة بدفق غنائي  ربما يدفع إلى الشعور بأن قصيدة مابعد الستينات تؤسس مشروعا للعودة إلى الرومانتيكية.فالوطن/المرأة/الطبيعة/صورة لاتنفك تغري الشعراء..))
 وتجئ قصيدة (هيا التصقي)صورة شعرية مؤكدة صدقية ما سبق من كلام
 ترجمه الشاعر في اختيار أقانيمه،مفتتحا محاولته رسم مشهد بأبعاد تعني الشاعر وحده..

(منفردا أخطو في هذا العالم وحدي
أمشي،تسبقني الكلمات
يسبقني الدرب،وأغرق في بحر جنوني)
                                                                           ص63

 وهي صورة لاتخلو من حث رومانسي،وظف فيها ماجد البلداوي إحساساته لاستيعاب ماحوله،مؤسسا معالم جديدة،يرافقه مجددا حضور الأنثى،عبر فعل درامي يتنامى..

(كي نحرق كل تقاويم الزمن الغابر
نمسح من حنجرة الماء خرير الوجد
وتاريخ الأحزان..).



{4 }  ومن المستوى الذاتي إلى المستوى الموضوعي،كانت الأنتقالة التعبيرية  واضحة ومركزة في قصيدة(أسئلة القصيدة) إذ بدت ذات الشاعر هنا تواقة  ومتمردة على الهمّ الشخصي(خيباته ورأسماله الرمزي)إلى ماهو أبعد مدى ،  وصولا للاندماج مع الهمّ العام،وبصّور شعرية أقرب للوضوح فيها من البوح الشعري،ما يجعل من القصيدة(خطاب)يفضح الراهن العربي برمته
 ..يقودنا مفتتح القصيدة{للقصيدة تفتق قمصانها..}إلى مشهد بانورامي،تتشكل عنده ثيمة القصيدة وانتقالاتها المقطعية..
 فالفعل(تفتق)تعبير دلالي عن انحسار شئ بغية ظهوره تدريجيا على سطح الصورة أو الجسد أو المكان.
 ولأنها أقرب مايكون إلى منشور علني يتطامن على محتواه الرمزي،لذا حاول الشاعر أن (يؤنسن)الأفعال التي تألفت منها تراكيب القصيدة/المنشور
 (تفتق،تركض..)في محاولة لإكمال رسم المشهد البانورامي للواقع العربي

(وهذا أنا:خطوة للنهار
وأخرى تدججنها الأسئلة)

 وصولا لتصريحه المعلن لفضح مسارات عصره،بكل تماوجاته وانكساراته..العصر العربي المتقدم{كمـــأ}من الشعارات والصراخ والهجاء ولغو القصائد..والمتأخر{نوعا}عن زمن العولمة..و{العولمة هنا
 ليست الخضوع لشروط الآخر الغربي بكل أنواع غزوه،ومن ثم إعادة نسخها مثلما هو حاصل الآن،في مفاصل حياتنا العربية،في الأغنية ،في انحسار ثقافة الشباب،والمبالغة في مظاهر الموضة..بل العولمة هي البحث عن شروط موضوعية منطلقة من حاضر المجتمعات العربية لتحايث هذا التقدم والسير بموازاته..
                  (أي معنى لأشرعة لاتدل على العاصفة؟!
                  أي معنى لذاكرة لاتشيخ؟!
                  لعل القصائد أدرى،
                  فتوجزنا ماسيحدث بالضبط.
                  فماذا سيحدث بعد الذي قد حدث؟!
                                                          ص58


 هذا الرصد البانورامي الذي جال الشاعر عوالمه،أسلمه للخيبة مرة أخرى
 آثر اكتشافه ضياع المعنى،والمعنى هنا الحلم الإنساني،هذه الطاقة التي تستثمر لتخلق كل ماهوحضاري وجمالي وذي قيمة أإنسانية..






الاثنين، 26 أغسطس 2013

مفارقة الساحر بلا عصا دراسة في قصيدة عصا عيسى للشاعر ماجد البلداوي



/كتابة جمال جاسم امين/
( عصا عيسى) هذه بدءا مفارقة ميثولوجية تاريخية لايمكن تجاوزها إذ ان الثابت – ميثيولوجيا – ان العصا أداة( موسى) السحرية وما دام الأمر كذلك فان قولنا( عصا عيسى) لايخلو من مفارقة خاصة.
 اذا ماعرفت ان عيسى الشاعر لايراد به (موسى) على وجه الحقيقة أو المطابقة ومما يزيدنا إيهاما بالمطابقة ان كلا الاسمين متقاربان لفظيا كما إنهما يحيلاننا إحالات دينية تاريخية متقاربة غير ان القول بعدم تطابق المقصود بالشخصيتين لايمنع من القول بتلازم الوظيفتين: الشاعر والساحر وان اختلفت أداتهما.هذه –اذا- علاقة نكتشفها بعد القطيعة أو المفارقة التي لمسناها حيث ان الشاعر ساحر ولكنه لايمتلك( الاداة) وهنا تكمن الحيرة ويبدأ القلق الذي يلازمه في مواجهته للعالم اذ انه – أي الشاعر- يواجه عالما لاسبيل الى تغييره وهو لأجل مهمته التغيرية هذه يظل محتاجا –أبدا- الى الاداة( العصا) التي تأخذ معنى الوسيط بين تطلعاته وتحققاتها أو- بلغة أخرى- بين الذات والموضوع كما ان فقدان هذا الوسيط يقود الى الشعور بالخيبة التي تشعر بها الذات إزاء موضوعاتها. وتأسيسا على هذا الفهم فان الشاعر سوف يظل دائم البحث عن عصاه المفقودة واذا ماتعذر عليه إيجادها فلا سبيل إليها-أذا- سوى ان يتخذ من ذاته او جسده عصا يتكئ عليها وبذلك تأخذ دلالة( الروح) أو ( الجسد) او( الكلمات) التي لايجد الشاعر سواها وسيطا بينه وبين العالم الذي هو بصدده.هذه المفارقة التي أحالتنا الى الميثيولوجيا وضعنا إزاءها الشاعر ماجد البلداوي من خلال نصه الموسوم( عصا عيسى) هذا النص الموجه ابتداء من الإهداء كمدخل أولي حتى المتن الى الشاعر عيسى حسن الياسري وقد لايخطىء القارئ وجد ذلك الشاعر العراقي الستيني في زحمة الوجوه.. الشاعر الجنوبي الذي حمل معه قراه وصباياه ولياليه الريفية فظل وفيا لقصبة وأعشاب نهره الجارف حتى أصبحت القروية أو الجنوبية سمة من سماته الراسخة بوصفها موعوضة شعرية وطقسا خاصا بالشاعر.ان أزمة الياسري –هنا- هي أزمة الشاعر عموما بوصفه ساحرا ولكنه بلا عصا، فما عساه ان يفعل سوى العودة الى جسده- كلماته لتأخذ دلالة الوسيط.. تلك الدلالة التي يقودنا الى تشخيصها المقطع الأول في نص ( البلداوي) اذ يقول:

                                                      بعصاك
او بعمودك الفقري
تمتهن الأزقة والمدى



غير ان هذا التعدد لايمنح الدلالة ان تستقر بل هو يدفعها الى منطقة التمويه والغياب لتصبح سؤالا وقد يكون الشاعر- هنا- مستفيدا مما تؤديه(أو) من معنى الاختيار ولكنه يستقر اخيرا او يقترب من الاستقرار بقصد التوصل فيقول:بعصاكأو بعصا قصيدتكفهنا تخرج الدلالة من منطقة السؤال الى الشرح والتفسير وان قوله( بعصا قصيدتك) قد فسرت اللغز إذ أبانت ان عصا الشاعر هي كلماته التي تتم من خلالها صلته بالعالم وقد يبتعد الشاعر أكثر فأكثر عن اللغزية إذ يردف معناه الأول بمعنى آخر إذ يقول:عصاك.. عصاكماهذي العصا إلا نشيد الروحان هذه الإجابات التي يقدمها الشاعر بصدد سؤالنا الذي أسهم في صنعه لم تكن إلا لرغبته في التوصل أو لأنه يؤمن بضرورة التوصيل كجزء من مهمة الشاعر وبرغم ان هذه المسالة- أي مسالة التوصيل- تعد مثار جدل ونقاش في الكتابة الجديدة إلا ان البلداوي يحتفظ بضرورتها وبما يلائم تجربته التي تجد في الشعر معنى التوصيل.الآن وبعد ان اهتدينا الى حل طلسمية المفارقة الأولى نجد انفسنا إزاء مفارقة أخرى تأخذ هيئة السؤال أيضا: من يرثيك غيريايها الموت الجميل؟فمن السائد ان الرثاء كموقف لايبرره شيء سوى المرثي ( الميت) وبدونه فلا شيء يبرر الرثاء، أما ان نجده خطابا موجها الى ( الحي) فذلك مصدر المفارقة فالموت هو الفعل والرثاء رد الفعل اللاحق على الفعل وهذه علاقة طبيعية بين الفعل ورد الفعل نلمسها في الطبيعة لمسا يوميا مألوفا فليس من السائد –اذا- الحديث عن الرثاء قبل وقوع الموت.وبرغم ان الشاعر استخدم صيغة المضارع( يرثيك) للدلالة على ان الموت لم يقع فعلا ولكن المفارقة تظل قائمة برغم ذلك بسبب عدم وجود المبرر الموضوعي لذكر الرثاء مما يوحي باستعجاله قبل أوانه وإلا فما الذي بذكرك برثاء الحي؟ وإذا كان هناك مبرر ما فهو مبرر نفسي لاموضوعي ولذا فان هذه المفارقة أو ما ندعوها كذلك ذات منشأ موضوعي واقعي بحث أي انها تعد مفارقة وتوصف بهذا الوصف لأنها شاكست الموضوعي أو الواقعي غير اننا نجدها تتخلخل وتكاد تفقد هذه الصفة لحظة استعارتها من الواقع الى الشعر فالمرثي- في النص- حي كما ان الرثاء لاياخذ دلالة الفجيعة أو التفجع بسبب الموت ذلك لان الموت- هنا- موت جميل. ومهما يكن من أمر فان الذي نلمسه ان الشاعر البلداوي يعتقد ان لااحد يرثي الياسري سواه خاصة اذا ما علمنا ان الشاعر –هنا- استفهم بأسلوب الاستفهام الإنكاري بقوله(من يرثيك غيري) أي لااحد غيري) ترى كيف سوغ الشاعر لنفسه فكرة ان لايكون الراثي سواه؟ هل بسبب تقارب البيئة أي لأنهما شاعران جنوبيان تربطهما عدة رموز مشتركة وهذا ما نلمسه من داخل نصوصهما لامن خارجها أم لان تجربتهما الشعرية ( الراثي والمرثي) متقاربة في طبيعتها ؟ وان الذي نراه- هنا- هو تضافر السببين فلأنهما جنوبيان ولان تجربة البلداوي الكتابية لاتبتعد كثيرا عن مشغل الياسري الشعري فكلا هذين العاملين شكلا مصدر هيمنة للبلداوي على موت الياسري وهو موت مفترض اذ لم يزل المرثي حيا. ولغرض توضيح معنى قولنا( تقارب التجربتين) ينبغي التنويه الى ان تجربة الياسري ذات مبنى طقوسي ( جنوبي) تتسم بالغنائية العالية.. هذه الطقوسية التي نكاد نلمسها في شعر البلداوي –سواء في هذا النص او غيره- ذلك إضافة الى مافي اللغتين من تقارب يمكن للدارس ان يلمسه بسهوله ويسر.وأخيرا فان هذا التقارب البيئي والشعري مما هو الذي قاد البلداوي للاعتقاد بأنه الراثي الأول فثمة سر مشترك بين الشاعرين وذلك مايقوله البلداوي صراحة في المقطع الأخير من النص الذي يودع فيه الياسري بلغة قريبة من لغة الدعاء وكأنه فعلا يودعه الوداع الأخير
.يانفس طيبي
واستقري في مداك
يانفس لاتنسي وصيتك
احفظي سري وسرك
وامنحينا الحب بعد الموت.



* نشرت في جريدة الثورة الصادرة يوم 13/ آذار عام 1994 العدد 8437



رياح الواقع في (غيوم ليست للمطر) : r د. سمير الخليل






r د. سمير الخليل
حين تكون الفكرة هي الرؤيا المنعكسة في داخل اللغة فتمتد هذه اللغة إلى المساحات التي تستطيع أن يعطيها الشاعر الثيمات المتغيرة وفق منهجية تكوين المشاعر النفسية والرموز المترتبة على التعبير عنها من خلال قدرة الشاعر على المسك باللغة كأداة نقل هذه اللغة لكي تصبح اللغة هي الواسطة المعبرة عن هذه الثيمات المتغيرة، وليس من أجل أن تصبح اللغة هي التصور الناطق لهذه الرؤيا، ونحن هنا أمام شاعر يمتلك ناصية اللغة المكونة لكل المعاني التي توصل إلى إحداث الانزياحات الواسعة والتي تجعل المتلقي يتطابق برؤيته مع الرؤيا التي يريد الشاعر أن يوصلها، أي أن الشاعر (ماجد البلداوي) يعرف كيف يصوغ منهجية الرموز المكثفة المتحققة من خلال رؤيته الفكرية لمنابع هواجس الذات بكل مراحلها وحسب تغير الظروف المكانية والزمانية لكي يرتقي بالرمز المتجدد إلى غايات واضحة مع اعطاء الرموز المكثف..يرصد البلداوي في ديوانه معاناة الإنسان العراقي، حين يواجه الواقع المر، ويفلح في تصوير حالات الخوف والفزع التي تواجهها الذات الشاعرة، كما يعمد إلى تصوير الهواجس والأحلام المؤجلة، وسط مشاهد الدماء التي اصبحت حاضرةً دوماً في المشهد العراقي حتى فقدت قدرتها على إثارة الفزع من وجودها.يحتفي الديوان بالوقائع والتفاصيل ويحللها بصورةٍ فنية دون مبالغة أو مغالاة، ودون الوقوع في خطيئة المباشرة والخطابية التي قد تصيب مثل هذه النصوص ذات الخصوصية السداسية للتجربة الشعرية، بل يقدم لنا ذواتاً مهمشة تعاني من الوحدة، وتعاني من الفقد المتواصل؛ هي ذوات يرى فيها كل إنسان نفسه المنسية وسط آلام الحرب وصراعات الواقع.
تتسم قصائد الديوان بالانسيابية والمرونة على المستوى الجمالي، فرهان الديوان من البداية ليس توصيل المعنى وتحميل الدلالات فقط؛ بل الحرص الشديد على المقاييس الجمالية التي تحمل قدراً من الوعي الجمالي والدلالي. لذلك تتجلى قدرة الشاعر التصويرية في المزج ما بين الحسي والمجرد في نسج مجازي متتابع متحرك، ومن هنا تبدو أهمية اللغة والأسلوب اللذين يرتكز عليهما من خلال هذه العلاقة التبادلية كي يصبح معنى النص ورمزيته واضحين. فإن الارتكاز على اللغة يكون من أجل الكشف على المستوى المجازي ومستوى التوغل في الخيال لكي يطاوع الرؤيا وفق تركيب اللغة العميقة لأحداث المغايرة في تركيب المفردات والمؤثرة في المتلقي حين يقرأ النص الشعري بعيداً عن الجنوح إلى مفردات فارغة من المعنى الواضح المرمز بكثافة العبارة الشعرية وهذا ما نجده في نصوص الشاعر (ماجد البلداوي) حيث تبقى الكلمات هي الارتكاز الأكثر امتداداً والرحم الأول لولادة المعنى وهذا ما نلاحظه في قوله :

حيث المنائر سكرى
وصوت المؤذن يخبو ويصعد
يخبو فتنكسر الكلمات ….
حيث يكون هنا الارتكاز في أحداث الفعل هي الكلمات وهي المؤشر على تغير الحياة المؤدية إلى فقد الحياة، فبقدر ما يخبو صوت المؤذن تخبو وتتكسر الكلمات وهذه الدلالة على فقد الإيمان.. فالكلمات تبقى هي الحيز الذي تتحرك ضمنه الأحداث حيث يشكل عنصر الكلام الدافع للفعل، فتصبح الكلمة هي المعبر عن المعنى المتحقق لكل الأفعال في قوله:
…آه يا… قلتها مرَّةً
وتسلل دمعُ من الذكريات البعيدة
أرخت عناقيدها الكلمات
يبدأ بحرف النداء إلى البعيد ليشير برغم بعد هذه الذكريات فهي موجودة في الكلمات حوله:
آه كم أحتاجك يا أنثاي
الليلة تلتهب الكلمات.. فنشعل موقد وحدتنا..
نتدفأ بالعشب… وبالأمطار ألوذ بدفئك..
كل معنى في الوجود خارج اللغة لا يكتسب الحقيقة الجوهرية في ظواهر الحياة والشاعر هنا استطاع أن يعطي إلى اللغة عمق المكاشفة عن حركة الظواهر وارتباطها المنعكس عن الجوهر فهنا أقصى حالة لحاجته إلى إنثاه هي التهاب الكلمات حيث تصبح المعبر الكامل لكل مشاعره الداخلية لكل ما يعيش من استفزاز داخلي والمحددة من خلال الرموز (الليل- الدفء، العشب- الأمطار)
والذي يميز الشاعر أنه يحدد الفعل ومن ثم يكشف عن كوامنه الانعكاسية حيث تصبح اللغة هي الاختيار الاكثر تعبيراً عن هواجسه النفسية وتنقلاته ضمن الوجود :
قال المهرج سوف تدرك خيبة الكلمات
تشتعل فضاء الغيم
أسيجة وتمضي، خلف صبادين ويبتكرون شمساً للنميمة
فنجده هنا يحاول أن يفسر أن كل ما يحدث حوله من خيبات في التعبير هو بسبب الكلمات، أي أنه يكشف عن رموزه الداخلية من خلال تعبيره الاستعاري لكي يحدد الرمز وقيمته وهذا يحدث من خلال عدم الافراط في الغموض عند التعبير عن هذا الرمز، وهذا طبعاً يؤدي لديه إلى تكوين الاستعارة الدلالية والمكونة إلى الصورة الشعرية المقاربة إلى بؤرة النص المتحرك:
آه لم يعد الرصيف بضاعتي
سأروض الكلمات كي تنصاع لي، وأدس في غاباتها طرقي..
حين يعجز عن ايجاد تصالح مع الواقع حوله يحاول أن يلجأ إلى تطويع قيمة التعبير عن هذا الواقع الذي يعيش خارج ذاته الداخلية ورموزها ، حيث لم يجد في الوجود الذي حوله إلا منفى اختيارياً لكل ما يريد أن يصل إليه، فيحاول أن يعيد المعنى إلى الأشياء التي فقدت معناها بطريقة انتاج رؤى أخرى مغايرة لها وهذا ما نجده في قوله:
هذا هو الناي البعيد
يرتق الكلمات ، بالمعنى، وفاتحة الأنين
فهنا الواقع هو الفعال في تحقق اللغة التي يستطيع أن يعبر من خلالها عن معاناته واغترابه، فهو هنا من خلال البعيد أي بعيداً عن الواقع الذي حوله يأتي به لكي يرتّق الكلمات بالرغم أن واقعه المعيش لا يحمل سوى المعنى والأنين ويتم ويتم كل هذا من أجل أن يخرج نبضه الذاتي إلى مستوى الموضوعية، فيمتد هذا الواقع ليشمل كل الزمن الذي يمر به دون التدخل منه بحرف الانتماء إليه فهو المسكون بالطعنات، والقلق والحرب والرصيف الدامي، فيحاول أن يعيد تجميله وترميمه:
يا أيها المسكون بالطعنات ، والكلمات
والقلق والحروب.. دمك الرصيف، فودع القداح..
وعلى الرغم من أنه متمسك بهذا المكان دون التخلي عنه يحاول أن يرسم أفقاً آخر وعصفوراً من الكلمات لكي يغير المعنى لديه من خلال مسحه بزجاج غمامه ونحيبه الذي يرزح تحته، وهنا يأتي بالأفق وهي محاولة البحث عن واقع آخر بعيد عن الواقع الذي حوله فصارت اللغة محور تغير لكن بشكل تمني، وهذا ما نجده في قوله:
وأرسم لهذا الأفق.. عصفوراً من الكلمات
وأمسح من زجاج غمامي.. هذا النحيب..
فكل حدث يؤدي إلى اللغة يتكون المعنى لهذا الحدث من خلال المفردات المناسبة التي تعبر عنه وعن الذات حيث تطرح هذه الذات التأثير بشكل رموز من الوعي واللاوعي، فزمن العربي لم يعد بلا تمتمات ولا كلمات بل أصبح مجرد لافتات وأغانٍ وصراخ لا يفعل التغير بل يهمش هذا الزمن لفقدانه الكلمات وحتى التمتمات أي: أصبح الزمن العربي مجرد صراخ لا طائل منه في إحداث التغير المنشود
لهذا أنا.. أقصد الزمن العربي..
بلا تمتمات و كلمات.. ولا عولمة.
أقصد اللافتات .. الصراخ..
العويل..
لفقد الشاعر كل أمل بالتغيير يشعر أنه غريب لأنه وحده يريد أن يحدث التغيير ولكن لا أحد معه فتسبقه الكلمات ويسبقه الدرب، وهذه الوحدة والغربة تجعله يرتد إلى ذاته دون هدف ودون أمل وما يجعله يغرق في الجنون:
منفرداً أخطو في هذا العالم وحدي..
أمشي تسبقني الكلمات
يسبقني الدرب.. أغرق في بحر جنوني
نلاحظ أن اللغة ترتقي عنده لمستوى التعبير عن كل خلجاته الذاتية ورموزها المعبرة عن هذه الخلجات فحتى الدعوة إلى أنثاه تأتي إليه من خلال التصاقها بالكلمات، حيث يشعر أن كل شيء خارج الكلمات هو صمت فيتحول التلاقي من خلال الكلمات:
أدعوك الليلة.. هيا التصقي
بي.. وبالكلمات..
إن ترادف الاستعارة في أحداث الانزياح المكون للصورة الشعرية يجعل مساحة النص تتهيكل على إيقاعٍ داخلي يكون الصورة بشكل شفاف وعميق، أي أن الشاعر يؤكد ما قاله (سوسير) أن اللغة هي نظام يعتمد كلياً على التقابل بين وحداته وهذه الوحدات هي الاشارات. فبعد أن شعر أن المكان الذي حوله خارج إحساسه بالانتماء يولع ذاكرته بالركض كي يبتعد عن هذا المكان لكي يستعيد ذاكرته البعيدة. فالشاعر لم يعد يمتلك إلاّ أن يستوحي آخر ما يمتلك من تعبير عن هذا المكان، ووصوله إلى اليأس من التغيير الذي يحدث حوله فلا يصادق إلاّ النحاس أي الركود والتوقف النهائي عن البحث عن مدلول خارج دالة المكان بالمتغير ونجد هذا في قوله:
وأولع ذاكرتي بالركض.. استبدل القصيدة بالتذكر،
والكلمات بالفضائح.. عندئذٍ يستوحي الشاعر آخر موتاه
ويبدأ بمصادقة النحاس..
وتصبح حتى اللغة لديه لا معنى لها حين يفقد المكان الذي حوله أي معنى حيث تصبح الكلمات لا طعم لها. ومن أجل الابتعاد عن هذا المكان يتوجه إلى الزمان كحل آخر من أجل الابتعاد كلياً عن مكان ، فالزمن اصبح يشير إليه بالغباء لهذا لا يمكن أن يروضه، وعليه أن يعود إلى ذاته ويروض الأمعاء التي تشير إلى الصبر والانتظار إلى التغيير الذي سوف يحدث في المكان:
لا طعم هذه الكلمات من حلوى الضجيج..
سأروض الزمن الغبي.. أروض الأمعاء كي تلهو..
ويستمر في محاولة ترويض الكلمات لكي يجد المعنى الذي يبحث عنه وهنا استطاع أن يعبر بهذه المحاولة إلى صفة أخرى من المعنى داخل اللغة نفسها ، فالشاعر هنا روض الكلمات لكي تنصاع له في معناها فقد دسَّ طرقه في غاباتها أي استطاع أن يعثر على المعنى الذي يريد في إحداث التغيير، وقد أصبحت اللغة عنده خطاباً شعرياً وتغييراً أو أملاً بالتغيير فرسم شرفة للريحان، كي تولد القصيدة طفلها وبهذا طابق المدلول مع الدال بالرغم من تغيّر المعنى في المدلول ونجد ذلك هنا في قوله:
سأروض الكلمات لي تنصاع لي.. وأدس في غاباتها طرقي
وأرسم شرفة للريحان.. كي تلد القصيدة طفلها
وفي المقاطع التالية يتراجع فلم يعد في اللغة من جدوى في التغيير فقد يئس من هذا التغير حيث تمتد المساحة هنا ما بين الاحتراق والحرق فقد دخن ونام ولكن في الحلم أحرق كل ملابسه لكنه لم يحرق ملابسه بل حرق الكلمات أي حرق المعنى الذي كان يبحث عنه بشكل أعطي دلالة واضحة المعنى والانزياح فأنه فقد حتى في حلمه الأمل الذي يجسد فيه التغير المنشود، كما في قوله:
دخن سيجارة ثم نام.. وفي الحلم أحرق كل ملابسه..
فتيقظ، أدرك في حينها.. أنه أحرق الكلمات..
بهذا استطاع الشاعر أن يجعل من اللغة هي اللغة الذات حيث تحولت إلى انفعال نفسي تجعل النص لديه هو السعي إلى التعبير عن هذا الانفعال والمرتبط بمكنوناته وهذا ما يجعل من لحظة كتابته للنص الشعري عبارة عن لغة الذات في لحظة مخاضها وتجليها مرتبطة بتحليل الوعي الذاتي وسط المتناقضات التي تولد في رحم النص. وهنا طبعاً يأتي تأثير الظرف الخارجي والذي يكون جزءاً مساهماً في تكوين النص من خلال ما يحدث من تأثير متبادل بين الذات الواعية والظرف الخارجي، فيخرج هذا التأثير على شكل رموز تمكن الشاعر من التعبير عنها. وبهذا نحن امام شاعر جعل من الحوار الذاتي الداخلي هي اللغة الذاتية بجميع مقارباتها النفسية والتي تعطي الرمز كحالة التعبير عن مكنونه الفكري والإدراكي المكون إلى الرؤيا التي تحدد ذائقته الشعرية بشكل واسع وعميق فينتج الرمز الموحي لكل مراحل الذات وقناعاتها بلغته الذاتية والمعبرة عن قلق طموحاته ووعيه الشخصي ، فالشاعر البلداوي على ضوء ما ذكر استطاع أن يؤسس لغة بمستوى ذاته والمنفتحة على التطلع والحلم ، أي جعل من نصه سر لغته الذاتية والمعبرة عن كامل هذه الذات في صدقها وتفاعلها مع كل ما يحيطها من التغير في محيطه

حين تكون الفكرة هي الرؤيا المنعكسة داخل اللغة : الناقد عباس باني المالكي


 الشاعر والناقد عباس باني المالكي
حين تكون الفكرة هي الرؤيا المنعكسة إلى داخل اللغة فتمتد هذه اللغة إلى مساحات التي تستطيع  أن يعطيها الشاعر الثيمات المتغيرة وفق منهجية تكوين المشاعر النفسية والرموز المترتبة على التعبير عنها  من خلال قدرة الشاعر على المسك باللغة كأداة نقل هذه المشاعر إلى جوهر هذه اللغة لكي تصبح اللغة هي الواسطة المعبرة عن  هذه الثيمات المتغيرة
, وليس من أجل أن تصبح اللغة  هي التصور الناطق  لهذه الرؤيا لأن في هذه الحالة  كثيرا ما تنفلت اللغة أو تتراكم داخل  خيال الشاعر الصانع للرؤيا وتتحول إلى رموز مبهمة وغامضة  خالية من عنصر الحياة التي لا تعطي التأثير المطلوب على المتلقي  دون الوقود في التقريرية , ونحن هنا أمام شاعر يمتلك ناصية اللغة المكونة لكل المعاني التي  التوصل  إلى أحداث الأنزياحات الواسعة  والتي تجعل المتلقي يتطابق برؤيته مع الرؤيا التي يريد الشاعر أن يوصلها , أي أن الشاعر ماجد البلداوي  يعرف كيف يصوغ منهجية  الرموز المكثفة المتحققة من خلال رؤيته الفكرية والحليمة تابعا منابع هواجس الذات بكل مراحلها وحسب تغير الظروف المكانية والزمنية  لكي يرتقي بالرمز المتجدد إلى غايات واضحة مع أعطاء الرمز المكثف .والمكاشفة التي تعبر عن بواطن الأشياء وحركتها من الداخل واعتمادا على رموز الذات الداخلية
فأن الارتكاز على اللغة من أجل الكشف على المستوى المجازي ومستوى التوغل في الخيال لكي يطاوع الرؤيا وفق تركيب اللغة العميقة لأحداث  المغايرة في تركيب المفردات هذه اللغة لكي تتخلص من الجمود وفي نفس الوقت أعطائها كل المؤشرات الحية والمؤثرة في المتلقي حين يقرأ النص الشعري بعيدا عن الجنوح  إلى مفردات التي لا تشكل ضمن النص إلا شكله أي فارغة من المعنى الواضح المرمز بكثافة العبارة الشعرية  وهذا ما نجده في نصوص الشاعر ماجد البلداوي حيث تبقى الكلمات هي الارتكاز الأكثر امتدادا والرحم الأول لولادة المعنى  وهذا ما نلاحظه هنا في ص 18
(حيث المنائر سكرى/
وصوت المؤذن يخبو ويصعد/
يخبو فتنكسر الكلمات )
حيث يكون هنا الارتكاز في أحداث  الفعل هي الكلمات و هي المؤشر على تغير الحياة المؤدية إلى فقد الحياة أو فقد قيمتها المعنوية  أي تصبح هي الدالة الموضحة لكل الأحداث  , فبقدر ما يخبو صوت المؤذن تخبو وتتكسر الكلمات وهذا الدلالة على فقد الأيمان ..فمتى تخبو وتتكسر الكلمات حين يكون هناك عدم الثبات في الأيمان فالمنائر سكرا أي  أنها غير  ثابتة في المعنى الذي  تنتمي إليه وبهذا تكون الكلمات الدالة المؤشرة على عدم الثبات في الموقف والأيمان به.
وتبقى الكلمات هي الحيز التي تتحرك ضمنها الأحداث حيث يشكل عنصر الكلام أو الكلمات هي الدافعة  للفعل أو المحتمة على نهايته ,  فتصبح  الكلمة هي المعبر عن المعنى المتحقق لكل الأفعال  في المقاطع التالية  يحدث هذا  ص 19
(آه يا ../
قلتها مرة,
وتسلل دمع من الذكريات البعيدة, /
أرخت عناقيدها الكلمات )
وتكون هنا الكلمات هي المؤشرة على البعد وفي احتواء الذكريات فبقت الكلمات هي الملازمة لوجودها في الذاكرة أي أن الكلمات هي ثابتة والمعبرة عن تلك الذكريات , يبدأ بحرف النداء إلى البعيد ليشير برغم بعد هذا الذكريات فهي موجودة في الكلمات حوله ,
 ص 23
( آه كم أحتاجك يا أنثاي !/
الليلة  تلتهب الكلمات/ فنشعل موقد وحدتنا /
نتدفأ بالعشب/ وبالأمطار وألوذ بدفئك )
 كل معنى في الوجود خارج اللغة لا يكتسب الحقيقة الجوهرية في ظواهر الحياة  والشاعر هنا أستطاع أن يعطي إلى اللغة بقدر ما هي أداة نقل وتعبير كذلك أعطائها عمق المكاشفة عن حركة الظواهر وارتباطها المنعكس من الجوهر أي هي المعنى في تحديد مدراك الإنسان والتي تؤشر كل مفردات الحياة  حوله , فهنا أقصى حالة لحاجته إلى  أنثاه  هي التهاب الكلمات حيث تصبح المعبر الكامل لكل مشاعره الداخلية   أي أن اللغة هي المعبرة لكل ما يعيش من استفزاز داخلي ولكل الظاهره في انحدار أو امتداد لحالة التعبير الداخلي والمحددة من خلال الرموز ( الليل ,الدفء , العشب , الأمطار ) بهذا تكون اللغة هي الماسكة لكل حالات التعبير من المشاعر  الباطنية في الوعي أو لاوعي أي تصبح اللغة هي لغة الداخل والمعبرة عن كل ما يدور حول الشاعر من انعكاس  لكل الرموز حوله , واللغة هنا بقدر ما  تحولت  إلى وسيلة التعبير بقدر ما هي أداة لخلق الرموز الوجودية , أي أن الشاعر أمتد باللغة إلى تصور رموز الرؤيا والحركة المترتبة على تنفيذ هذه الرؤيا  .والذي يميز الشاعر أنه يحدد الفعل ومن ثم يكشف عن كوامنه الانعكاسية حيث تصبح اللغة هي اختيار الأكثر تعبيرا عن هواجسه النفسية  وليس حالة طارئة للتعبير أي هي سيمياء النص وحالته تأويله إلى الرموز المقاربة لكل حالاته التي يعبر عنها من وعيه اللغوي وتنقلاته ضمن الوجود , فيجعل من اللغة الرموز المبطنة لكل ما يحدث في الحياة من أدراك فكري لحركة الأشياء والمؤثرة  فيه
ص 32
( قال المهرج سوف تدرك خيبة الكلمات ,/
تشتعل في فضاء الغيم /
أسيجة وتمضي /
خلف صيادين ويبتكرون شمسا للنميمة )
فنجده هنا يحاول أن يفسر أن كل ما يحدث حوله من خيبات في التعبير هو بسبب الكلمات , أي أنه يكشف عن رموزه الداخلية من خلال التعبير الأستعاري لكي يحدد الرمز وقيمته ومن ثم يرتقي به إلى مستوى توضح الرؤيا التي حققت الانزياح باستعارة المعنى لهذا الرمز وهذا يحدث من خلال ميكانزمية اللغة نفسها دون الإفراط  في الغموض  في التعبير عن هذا الرمز , أي أنه يبتعد عن الغموض و الجمود المفردات المعبرة لكي تبقى تتجاذب  أو تتحرك ضمن نسق واحد المتحرك , محركا الفعل على الواقع  وهذا طبعا يؤدي لدية إلى تكوين الاستعارة الدلالية
والمكونة إلى الصورة الشعرية المقاربة إلى بؤرة النص المتحرك
ص 35
( آه لم يعد الرصيف بضاعتي
, سأروض الكلمات كي تنصاع لي /
وأدس في غاباتها طرقي )
 حين يعجز عن أيجاد تصالح مع الواقع  حوله يحاول أن يلتجئ إلى اللغة ليطوع قيمة التعبير عن هذا الواقع الذي يعيش خارج ذاته الداخلية ورموزها ,حيث لم يجد في الوجود الذي حوله إلا منفى اختياري لكل ما يريد أن يصل إليه , لا يستكين بل يستمر بالمحاولة لكي لا تهمش الحياة حوله كليا ويسقط في دائرة الغربة, أي انه يحاول أن لا يتخلخل المعنى لدية من خلال عدم التصالح مع الأشياء التي ينتمي إليها بل يحاول أن يعيد المعنى إلى الأشياء التي فقدت معناها ولكن ليس بالطريقة القصرية بل بطريقة أنتاج رؤيا أخرى مغايرة لها ولكنها مرتبطة بنفس المعنى لكنها مغايرة لها عن طريق أحداث الانزياح الذي يعيد المعنى ويحقق التجدد بالرؤيا وهذا ما نجده في القاطع التالية ص 43
( هذا هو الناي البعيد /
يرتق الكلمات / بالمعنى /
وفاتحة الأنين )
فهنا الواقع هو الفعال في تحقق اللغة  التي يستطيع أن يعبر من خلالها عن معاناته واغترابه , فهو هنا  من خلال البعيد أي بعيدا عن الواقع الذي حوله يأتي به لكي يرتق الكلمات ويعيد اكتشاف المعنى الجديد حوله بالرغم أن واقعه المعاش لا يحمل سوى المعنى والأنين  ويتم كل هذا من أجل أن يخرج حسه الذاتي إلى مستوى الموضوعية كي يؤكد أن هذا الواقع الذي  فقد عنصر التصالح معه ليس بسبب عناوينه الذاتية بل هو هكذا كما هو , فهو لم يقيمه حسب اشتراطاته الذاتية الذي حدد بها هذا الواقع بل  أن معناه والدلالة عليه  هي فاتحة الأنين فهو يراه دون الانحراف بالمعنى  خارجه,
 فيمتد هذا الواقع ليشمل كل الزمن الذي يمر به دون التدخل منه بتحريف   الانتماء إليه  فهو المسكون بالطعنات , والقلق والحروب والرصيف الدامي , وما الكلمات إلا أداة التعبير عنه ,فبرغم كل هذا يحاول أن يعيد تجميله وترميمه لكي لا يسقط بوتوبيا المسيطرة عليه  فيودعه بالقداح أي أنه يدرك برغم كل هذه المعاناة مازال متمسك به  ومنتمي إليه  وهذا ما نراه
 ص
45( يا أيها المسكون بالطعنات /
والكلمات ,/
والقلق والحروب/
دمك الرصيف, فودع القداح )
وبالرغم أنه متمسك بهذا المكان دون التخلي عنه  يحاول أن يرسم أفق أخر وعصفورا من الكلمات لكي يغير المعنى لديه من خلال مسحه لزجاج غمامه ونحيبه الذي يرزح  تحته , وهنا يأتي بالأفق   وهي محاولة البحث عن واقع أخر بعيد عن الواقع الذي حوله  حيث أن الرسم هو حالة البحث عن التغير  ولكن عدم القدرة على فعله  لأنه يشعر بتلاصقه بهذا المكان لأسباب قد تكون خارج قدرته , وهنا صارت اللغة محور تغير لكن بشكل تمني  أي توضح حالة العجر لدية على أحداث التغير حوله , فنشعر أن اللغة هي المنطقة التي يرتب فيها قناعاته وأمتداده الذاتي  وهذا ما نجده في هذه المقاطع في ص 46
( وأرسم لهذا الأفق /
عصفورا من الكلمات , /
وأمسح من زجاج غمامي /
هذا النحيب )
كل حدث يؤدي الى اللغة  يتكون المعنى لهذا الحدث منخلال المفردات المناسبة التي تعبر عنه  , ولكي نحدد الأسباب التي تشارك بأحداثهذا الفعل لكي يستمر النص كوحدة عضوية متجانسة الرؤيا واللغة المعبره عن هذه الرؤيا بشكل موضوعي في لحظة الذات المتأثرة لهذا الحدث  حيث تطرح  هذه الذات التأثير بشكل رموز من الوعي واللاوعي , فزمن العربي لم يعد بلا تمتمات ولا كلمات بل أصبح مجرد لافتات  وأغاني وصراخ لا يفعل التغير بل يهمش هذا الزمن لفقدانه الكلمات وحتى التمتمات أي أصبح الزمن العربي مجرد صراخ لا طائل منه في أحداث التغير المنشود  حيث نلاحظ في المقاطع التالية في ص 55

(هذا أنا ,
أقصد الزمن العربي ,/
بلا تمتمات ولا كلمات /
ولا عولمة . /
أقصد اللافتات /
ألأغاني /
الصراخ /
المواويل )
 لفقده كل أمل بالتغير  يشعر أنه غريب لأنه وحده يريد أن يحدث التغير ولكن لا أحد معه فتسبقه الكلمات ويسبقه الدرب , وهذه الوحدة والغربة تجعله يرتد الى ذاته دون هدف دون أمل وما يجعله يغرق في الجنون , وهذا يؤشر عمق الرغبة  لدية من أجل الأسراع بالتغير نحو الهدف الذي ينشد ولكن لا أمل بهذا التغير فليس أمامه إلا السقوط في الهم الذات المفردة بعيدا عن كل الدروب  وهذا ما نجده في المقاطع في ص 63

( منفردا أخطو في هذا العالم وحدي /
أمشي تسبقني الكلمات /
يسبقني الدرب /
أغرق في بحر جنوني )
نلاحظ أن أن اللغة ترتقي عنده المستوى التعبير عن كل خلاجاته الذاتيه ورموزها المعبرة عن هذا الخلاجات فحتى الدعوة الى أنثاه تأتي إليه من خلال ألتصاقها بالكلمات , حيث يشعر أن كل شيء خارح الكلمات هو صمت  فيتحول التلاقي من خلال الكلمات  وفي  المقاطع  التالية في ص 64

(أدعوك الليلة , /
هيا التصقي بي /
وبالكلمات .)
أن ترادف الأستعارة في أحداث الأنزياح المكون للصورة الشعرية يجعل مساحة النص تتهكيل على أيقاع داخلي يكون الصورة بشكل شفاف وعميق  وهذا يأتي من خلال تواتر الكلمات بالمعنى التي  تقارب الرؤيا التي يريد الشاعر أن يوصلها الى المتلقي حيث تصبح اللغة هو النشاط الحي والأكثر قدرة على أخضاع كل المسارات الى المعنى , أي أن الشاعر يؤكد ما قاله سوسير أن اللغة هي نظام يعتمد كليا على التقابل بين وحداته وهذه الوحدات هي الإشارات ,
فنشعر أن أقصى ما يريد أن يقول أن اللغة هي حاملة  المعنى أي هي الدالة لكل مدلول  . يحملها كل ما يؤشر الى حقيقة الحياة ,هنا هي حاملة  الفضائح وعلى ضوء هذا تمتد اللغة لدية  وكأنها العامل الوحيد الذي يعطي جوهر الأشياء ونظامها وفق البنية الزمنكانية  أي أن اللغة هي العنصر الذي يوجد من خلاله العناصر الباقية في الحياة , فبعد أن شعر أن المكان الذي حوله خارج أحساسه بالأنتماء يولع ذاكرته بالركض كي يبتعد عن هذا المكان  لكي يستعيد ذاكرته البعيده . فلم يعد هذا المكان إلا الموحي الى الفضائح والمعبرة من خلال الكلمات , والشاعر لم يعد يمتلك إلا أن يستوحي أخر ما يمتلك من تعبير أو الحد الأخير من التعبير عن هذا المكان , ووصوله الى اليأس من التغير الذي يحدث حوله فلا يصادق إلا النحاس  أي الركود والتوقف النهائي عن البحث عن مدلول خارج دالة المكان بالتغير ونجد هذا في المقاطع التالية في ص 72

( وأولع ذاكرتي بالركض./
أستبدل القصيدة بالتذكر
, والكلمات بالفضائح /
عندئذ يستوحي الشاعر أخر موتاه /
ويبدأ بمصادقة النحاس).
وتصبح حتى اللغة لدية لا معنى لها حين يفقد المكان الذي حولة أي معنى حيث تصبح الكلمات لا طعم لها ومن أجل الأبتعاد عن هذا المكان يتوجه الى الزمان كحل أخر من أجل الأبتعاد كليا عن مكانه ,  مع كل  محاولاته يشعر أنه لا يمكن أن يبتعد فالزمن لم يعد له قيمة دون المكان الذي حولة فالزمن أصبح يشير إليه بالغباء لهذا لا يمكن أن يروضه  , لهذا يعود الى ذاته ويروض الأمعاء والتي تشير الى الصبر والأنتظار الى تغير الذي سوف يحدث في المكان   . وبهذا هوأشر الدالة وأتعبعها بالمدلول وفق التصور الذهني المنعكس من تأثرة بالمحيط الذي حوله  فنجد هذا في المقاطع  في ص 79

 (لا طعم هذه الكلمات من حلوى الضجيج /
سأروض الزمن الغبي /
أروض الأمعاء كي تلهو )
ويستمر في محاولة ترويض الكلمات لكي يجد المعنى الذي يبحث عنه . وهنا أستطاع أن يعبر بهذا المحاولة الى ضفة أخرى من المعنى داخل اللغة نفسها , أي بقى هو ضمن الدالة ولكن أعطى الى المدلول البعد الأخر المعبر عنه فهو بقى ضمن محيط الدالة بالتصور الذهني لكن أعطي المدلول معنى أخر لكن مرتكز على المعنى الأخر والمتأثر  بهذه الدالة , فالشاعر هنا روض الكلمات لكي تنصاع له في  معناها فقد دس طرقة في غاباتها أي أستطاع أن يعثر على المعنى الذي يريد في  أحداث التغير , وقد أصبحت اللغة عنده خطاب شعري وتغير أو أمل بالتغير فرسم شرفة للريحان ,كي تولد القصيدة طفلها . أي يولد الأمل الذي يسعى أن يراه في الحياة التي حوله , بهذا هو طابق المدلول مع الدالة بالرغم من تغير المعنى في المدلول  ونجد هذا في المقاطع في ص 80
( سأروض الكلمات كي تنصاع لي
/ وأدس في غاباتها طرقي /
وأرسم شرفة للريحان /
كي تلد القصيدة طفلها )
 وفي المقاطع التالية يتراجع فهو لم يعد يرى في اللغة من جدوى في التغير فقد يأس من هذا التغير حيث تمتد المساحة هنا ما بين الأحتراق والحرق فقد دخن  ونام ولكن في الحلم أحرق كل ملابسه لكنه لم يحرق ملابسه بل حرق الكلمات أي حرق المعنى الذي كان يبحث عنه  وهذا جاء من خلال يأسه واالسيجارة المحترقة إلا تلاشي الأمل لديه بالتغير المرتقب أو المنشود
حيث حرق في وعيه السيجارة وحين غاب في اللوعي أحرق كلمات  الأمل وبهذا أستطاع ألشاعر أن يوظف حالة الوعي واللاوعي بشكل أعطى دالالة واضحة المعنى والأنزياح  فأنه فقد حتى في حلمه الأمل , وهذا لقطة سيميائية تمتد لتشمل كل كونه الذاتي دون أن يفرط في طرح الغموض بل أعطى الأحياء ليثبت المدلول على دالة فقد الأمل في كل مساحات الذات  المنتظرة للأمل الذي يجد فيه التغير المنشود  وكما في المقاطع التالية في ص 91
( دخن سيجارة ثم نام /
وفي الحلم أحرق كل ملابسه /
فتيقظ , أدرك في حينها /
أنه أحرق الكلمات )
 بهذا  أستطاع الشاعر أن يجعل من اللغة هي لغة الذات حيث تحولت الى  
انفعال سيكولوجي تجعله النص لديه  النص هو  السعي إلى التعبير عن هذا الانفعال والمرتبط بمكنوناته ومن المحيط الذي حوله والرموز النفسية التي تكمن في اللاوعي فيه وهذا ما يجعل من لحظة كتابته للنص الشعري عبارة عن لغة الذات في لحظةمخاضها وتجليها وتشمل هذه اللغة كل ما يخزن الشاعر من المعرفة والرموز الكامنة فيه حيث تصبح هذه اللغة مرتبطة بتحليل الوعي الذاتي وسط المتناقضات التي تولد في رحم النص ، وبالطبع هنا توسع وتكبر هذه اللغة حسب منهجية المعرفة التي تساهم في أعادة هيكلة الوعي الذاتي للشاعر أو الكاتب ،أي تتماثل الأنا في كل الموجودات تعبيرا عن المعاني المتخفية والمكبوتة داخل الذات وبهذا تخرج الدلالات مقاربة إلى معاني هذه الموجودات
وهنا طبعا يأتي تأثير الظرف الخارجي والذي يكون جزء مساهم في تكوين النص من خلال ما يحدث من تأثير متبادل بين الذات الواعية والظرف الخارجي ،فيخرج هذا التأثير على شكلرموز التي تمكن الشاعر التعبير عنها أو كشافها ، فتصبح الذات هي الموضوع بكل كوامنها اللاواعية والتي هي عبارة عن التفكير المسبق بتواتر الوعي الوجداني ، فتصبح لحظة الكتابة هي لحظة الانفكاك من كل ارتباطات الوعي الخارجي ، لتبقى مساحة الذاتهي المهيكلة للنص وفق سياق المتناقضات في الإدراك السيكولوجي ،فعند حدوث التوتر الوجداني المصاحب إلى التوتر الفكري الذي يؤدي بدورة إلى البحث والتقصي عن وحدات الوعي وعمق تأثرها بالظرف الخارجي وهنا تتفرع كل هواجس الحياة ونماذجها الموحية والتي تتفجر في لحظة الكتابة ، لأن التعبير عنها تحددها الكلمات التي تقارب هذه الرموز النفسية .. وبهذا نحن أمام شاعر جعل من الحوار الذاتي الداخلي هي اللغة الذاتيه بجميع مقارباتها االسيكولوجيه والتي تعطي الرمز كحالة التعبير عن كل مكنونه الفكري والأدراكي  المكون الى الرؤيا التي تحدد ذائقته الشعرية بشكل واسع وعميق  فينتج الرمز الموحي لكل مراحل الذات وقناعاتها  بلعته الكيانية والمعبرة عن قلقه طموحاته  ووعيه الشخصي ,فالشاعر ماجد البلداوي على ضوء ما ذكر أستطاع أن يؤسس لغة بمستوى ذاته والمنفتحة على التطلع والحلم , أي جعل من نصه سر لغته الذاتيه والمعبرة عن كامل هذه الذات في صدقها وتفاعلهاوألتحامها مع كل ما يحيطها من التغير في  محطية .

صدر لشاعر ماجد البلداوي مجموعته الرابعة ( غيوم ليست للمطر ) والصادرة عن دار شمس للنشر و التوزيع / القاهرة