اخر الاخبار

آخر القصائد
آخر الأخبار

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

شعرية البوح والانصياع للغـــّــــــــــة.. قراءة في ديوان غـــــيوم ليست للمـــــــــطر

                                                     


 /بقلم الشاعر والناقد نصير الشيخ/ {1}هل المرأة ..أم القصيدة تمارس حضورها المزمن في ذات الشاعر..؟  قد يبدو سؤالا أزليا مبعثه الشعر وحده..والشاعر من يعنى به تاليا..؟  هل ثمة مشتركات بينهما (المرأة والقصيدة).
.هل هما مراوغتان حد اللعنة..؟  هل طبيعتهما(الأنثوية/المائية) متماوجة،عصية على الإمساك..؟  أي منهما يشعل جذوة الاحتراق في جسد صاحبه،في ذات الشاعر وخباياه؟  وأيهما،يشعل جذوة الائتلاق كيما يكمل الشاعر نشيده السرمدي،صانعا من دمه كأسا من كلمات تشربه البرايا..ومن جسده خبزا يعلمهم طعم الحياة..... يمنحهم الخلود كمعنى،ويفنى الشاعر كجسد..  هل كانت وستظل المرأة والقصيدة جدلية أزلية منذ أول نشيد سومري، وأول قصيدة تغنت بها(أنخيدوانا) وحتى اللحظة.. لماذا لم يقتل التكرار هذه الجدلية،بل على العكس راحت تتوهج أكثر فأكثر من شاعرالى شاعر يضيئها،ويعيد صياغتها بمنتهى الجمال..

{2 }  في ديوانه الشعري الرابع (غيوم ليست للمطر)والصادر عن دار شمس للنشر والتوزيع/القاهرة..يدلنا الشاعر{ماجد البلداوي}إلى تلك المثابات،وأولها المرأة..فهي منذ البدء لها الجهات،ولها السؤال،ولها جغرافيا الروح والكون  ..حتى لو قادنا اشتهاءنا إليها إلى الاشتعال..!
 يرى الناقد حاتم الصكر في كتابه مواجهات الصوت القادم أن((لحظة الكتابة،امتحان حقيقي للشاعر.أن يختزل مشاعره ويكثفها بشكل يعطي المتلقي صورة مؤثرة عنها..من كان(فعل)الشعر طقسا جديرا بالتمثل..فكيف  تنبئ الكلمات المصفوفة إلى بعضها في نظام غريب،عن هم تجربة وخلاصة عناء..)).
 أسلوبية الشاعر هنا خلاصة قاموسه الشعري تشي بمتواليات دلالية عمادها  صف الكلمات المختزنة أبعادها الدلالية والروحية..إذ برزت في أغلب قصائد الديوان متوالية(المرأة،القصيدة ،الشجرة) في ؤحدة ائتلافية كمنت تصوراتها عند المنابع القصية للذات الشاعرة،هذا الحضور (ألبدئي)لهذه الأقانيم،بانت مشتركاته رغم تنوعها،ألا انه لايخلو من ثوب قداسة أضفاه الشاعر عليه..!ذلك إن المرأة هي الوجود الأزلي لطعم الحياة والتي لايستطيع الشاعر مفارقته إن لم نقل التطامن إليه..هي حضور عضوي كجسد يفيض برغباته،وهي ثمرة ألهيه مشتهاة على الدوام،عبر حضورها الجلي عبر العصور،حتى لو تطلب الأمر العبور إليها للخوض في برك الخطيئة..
 والقصيدة هذا الوجود(الآني /الكلي)للشاعر،عنوانه الأنطلوجي وهويته الثقافية لصنع صيغ حياة دائمة النماء عبر الكلمات..أنها كون لامرئي تجاوز خط البصر/العين المجردة،أنها اللامتجسد..فمن أين تجئ إذن..؟
 معلنة اشتهائاتها الغامضة/الواضحة،العصية/السلسة..  والشجرة،هذا الوجود العضوي الذي يجدد لنا على الدوام صور الطبيعة  كخلق ألهي لامتناهي،يقاسمنا حياتنا،ويعمق فينا رسم اللون وصناعته...
              
(أيتها الشجرة التي لاتكف عن الهديل
أليك كفي
خذي لوعتي..وحرري الألم)
قصيدة شجرة للصهيل ص41


{3}  في أشارة تشكل مشتركا ينساح عبر النصوص الشعرية،قافزاالى حيوات كتابها،تتضح لنا محنة الشاعر التي تتوالد على مر الأزمنة والعصور..الذات بمواجهة العالم.هذه المواجهة وبكل ماتحمله من احتدام،يسعى خلالها الشاعر لتوكيد ذاته،رهانه الشعر مخلقا عالما اقرب الأسطرة يعد بالحرية والجمال..



(أيها الشاعرالمتوزع بين الخسارات
علق قميص نجاتك،
وأختر من الأصدقاء ..الرماد)
                                            قصيدة تعالي نمسك القمر
                                                                              ص51

 في تلمسه للظواهر الفنية في شعر السبعينيات يرى الناقد حاتم الصكر  ان  ((سمة الاندماج بالآخرين بصورة فرح مستقبلي يستوعب في سعته أشجار الوطن ونساءه وأطفاله وأشياءه الأخرى مما يشحن القصيدة بدفق غنائي  ربما يدفع إلى الشعور بأن قصيدة مابعد الستينات تؤسس مشروعا للعودة إلى الرومانتيكية.فالوطن/المرأة/الطبيعة/صورة لاتنفك تغري الشعراء..))
 وتجئ قصيدة (هيا التصقي)صورة شعرية مؤكدة صدقية ما سبق من كلام
 ترجمه الشاعر في اختيار أقانيمه،مفتتحا محاولته رسم مشهد بأبعاد تعني الشاعر وحده..

(منفردا أخطو في هذا العالم وحدي
أمشي،تسبقني الكلمات
يسبقني الدرب،وأغرق في بحر جنوني)
                                                                           ص63

 وهي صورة لاتخلو من حث رومانسي،وظف فيها ماجد البلداوي إحساساته لاستيعاب ماحوله،مؤسسا معالم جديدة،يرافقه مجددا حضور الأنثى،عبر فعل درامي يتنامى..

(كي نحرق كل تقاويم الزمن الغابر
نمسح من حنجرة الماء خرير الوجد
وتاريخ الأحزان..).



{4 }  ومن المستوى الذاتي إلى المستوى الموضوعي،كانت الأنتقالة التعبيرية  واضحة ومركزة في قصيدة(أسئلة القصيدة) إذ بدت ذات الشاعر هنا تواقة  ومتمردة على الهمّ الشخصي(خيباته ورأسماله الرمزي)إلى ماهو أبعد مدى ،  وصولا للاندماج مع الهمّ العام،وبصّور شعرية أقرب للوضوح فيها من البوح الشعري،ما يجعل من القصيدة(خطاب)يفضح الراهن العربي برمته
 ..يقودنا مفتتح القصيدة{للقصيدة تفتق قمصانها..}إلى مشهد بانورامي،تتشكل عنده ثيمة القصيدة وانتقالاتها المقطعية..
 فالفعل(تفتق)تعبير دلالي عن انحسار شئ بغية ظهوره تدريجيا على سطح الصورة أو الجسد أو المكان.
 ولأنها أقرب مايكون إلى منشور علني يتطامن على محتواه الرمزي،لذا حاول الشاعر أن (يؤنسن)الأفعال التي تألفت منها تراكيب القصيدة/المنشور
 (تفتق،تركض..)في محاولة لإكمال رسم المشهد البانورامي للواقع العربي

(وهذا أنا:خطوة للنهار
وأخرى تدججنها الأسئلة)

 وصولا لتصريحه المعلن لفضح مسارات عصره،بكل تماوجاته وانكساراته..العصر العربي المتقدم{كمـــأ}من الشعارات والصراخ والهجاء ولغو القصائد..والمتأخر{نوعا}عن زمن العولمة..و{العولمة هنا
 ليست الخضوع لشروط الآخر الغربي بكل أنواع غزوه،ومن ثم إعادة نسخها مثلما هو حاصل الآن،في مفاصل حياتنا العربية،في الأغنية ،في انحسار ثقافة الشباب،والمبالغة في مظاهر الموضة..بل العولمة هي البحث عن شروط موضوعية منطلقة من حاضر المجتمعات العربية لتحايث هذا التقدم والسير بموازاته..
                  (أي معنى لأشرعة لاتدل على العاصفة؟!
                  أي معنى لذاكرة لاتشيخ؟!
                  لعل القصائد أدرى،
                  فتوجزنا ماسيحدث بالضبط.
                  فماذا سيحدث بعد الذي قد حدث؟!
                                                          ص58


 هذا الرصد البانورامي الذي جال الشاعر عوالمه،أسلمه للخيبة مرة أخرى
 آثر اكتشافه ضياع المعنى،والمعنى هنا الحلم الإنساني،هذه الطاقة التي تستثمر لتخلق كل ماهوحضاري وجمالي وذي قيمة أإنسانية..






0 التعليقات:

إرسال تعليق