اخر الاخبار

آخر القصائد
آخر الأخبار

الاثنين، 26 أغسطس 2013

دراسة أسلوبية: إغراءات وردة النارالبنى النحوية والرؤيا الى العالم : الدكتور سمير الشيخ



/بقلم سمير الشيخ/
بعد مجموعته الأولى " شجر الحكمة"/1988/ اصدر الشاعر ماجد البلداوي مجموعته الشعرية الثانية " إغراءات وردة النار/بغداد/1997 " واحتوت على خمسة عشر نصا شعريا تشكل دلالاتها الفكرية والجمالية رؤيا الشاعر الى العالم وهذه الدراسة تهدف الى تحليل البنى اللغوية لقصائد إغراءات وردة النار تحليلا أسلوبيا متخذة من النظرية اللغوية إطارا لها.
 هذه النظرية تقوم على التصور القائل ان اللغة نشاط اجتماعي وترجع أصول هذه النظرية الى عالم الانثروبولوجيا( مالينوفسكي) ووضح أسسها النظرية النحوي الانكليزي ( فيرث) ومن بعده( هاليدي) تنص هذه النظرية على ان العوامل التي تخلق المعنى في اللغة يمكن إرجاعها الى مستويات ثلاثة: المستوى الصوتي والمستوى الشكلي( المفردات والبنى النحوية) والمستوى السياقي. وهذه الدراسة تتمحور حول المستوى الشكلي أو تحليل البنى النحوية في علاقاتها بدلالات الشاعر في النص. ان فحصا تكامليا للنص يبين لنا ان العنصر الأسلوبي المسيطر في إغراءات وردة النار هو الجملة الفعلية إذ ان هناك(12) جملة فعلية من مجمل(14) جملة يتكون منها النص ولعل هذه الجمل في غالبيتها أفعال مضارعة كما في الجمل(2و7و8و9و10و11و12و13و14) هذه الاختيارات للفعل المضارع تؤكد حضور التجربة حضورا زمانيا ومكانيا.. فاللغة كما يرى هاليري تساعد البشر على صورة ذهنية للواقع ويقول آخر ان اللغة تعطي التجربة بنية.. ووفق هذا التصور فان البنى النحوية في إغراءات وردة النار تختزن دلالات فكرية وجمالية تقف على النقيض من دلالات الموت فالشاعر يترجم الفراغ( هديلا) وبمعنى الوردة مقتلا للجفاف ويطرد البنادق( بالحمام) ان ( الهديل و( الوردة و( الحمام) هي مفردات الجمال في مواجهة الفراغ والجفاف والبنادق.. هذه الصورة الذهنية للواقع تعبر عنها الافعال المضارعة في الجمل آنفة الذكر، وبالرغم من ان الشاعريعمد الى استعمال( السين) في الجملتين(1و5) وهو عنصر لغوي دال على الآتي ، فان التجربة تظل تتجسد في الحاضر، يرى( لبيج) انه في كل استعمالات الزمن المضارع هناك ارتباط وثيق بالبرهة الحاضرة للزمن. ان الافعال المضارعة وحدوثها المتكرر في النص الشعري ليست السمة الأسلوبية المبررة حسب، بل من اللافت للنظر أيضا ان أنماط الجمل في ( إغراءات وردة النار) أنماط معقدة التركيب فالجملة الفعلية أما من النوع المركب الذي يحتوي على جملتين رئيسيتين تربط بينهما أداة ربط كما في( تقشرنا الأقاويل/ وتمضغنا الفرائس)(9و10) او جمل معقدة وهذا النوع من الجمل يحتوي على جملة رئيسة تامة المعنى، وجملة ثانوية لايتم معناها إلا بوجود الجملة الرئيسة. ان الجمل الفعلية سواء اكانت المركبة منها او المعقدة تقوم على التناظر في النص الشعري ففي الجملتين(9و10) نجد نوعا من التماثل في العناصر اللغوية بين( تقشرنا الأقاويل) و( تمضغنا الفرائس) وفي الأمثلة(3و8و14) نجد ان الجمل الرئيسة تتكون من الفعل+فاعل+ شبه جملة.. هذا التناظر بالطبع ذو تأثير أسلوبي.. انه يعطي النص الشعري قدرا من النظام والتساوق. ويقول آخر ان هناك قوة نظامية تعمل على إنتاج هذه البنى المتناظرة.ان القوة الخيالية للصور الشعرية( تهطل القيامة من المآذن" و "تتهدل الياقة من الخجل") تتحدد ضمن هذه الجمل المتناظرة بالإضافة الى هذا فان الجملة الثانوية تقدم معرفة متصلة بالمعنى المختزن في الجملة الرئيسة,, فالجملة تبدو وكأنها تقع في نصفين لتعطي إحساسا بالتناظر كما وان الجمل الفعلية الرئيسة في النص تنتهي بعبارة ظرفية مثل( بالزكام)و( من المآذن)و( من الأضرحة) و( من الخجل)..، ان العبارات الظرفية هذه أو أشباه الجمل تزيد البنى النحوية عمقا.ثمة سمة أسلوبية في ( اغراءات وردة النار) وهي ان الجمل الفعلية في النص جمل منحرفة والجمل المنحرفة صبغ نحوية صحيحة بلا ريب.. يرى( جومسكي) ان الجمل التي تخرق القوانين الاختيارية غالبا مايمكن تأويلها تأويلا استعاريا.. أومتمنيا بطريقة او بأخرى إذا ماتوافر السياق الملائم.. في ( اغراءات وردة النار) هناك انحرافات على المتون اللغوي كما في ( بالحمام سأطرد البنادق) إذ يقدم الشاعر شبه الجملة( بالحمام) كما ان هناك انحرافات على مستوى الدلالة كما في ( أترجم الفراغ(2)و( نجلد الصباحات(12) و( ندثر الفضيحة(14) هذه الانحرافات اللغوية تأتي نتيجة الاختيارات التي يقوم بها الشاعر على المستويين النحوي والدلالي. ان نظم العناصر اللغوية بطريقة غير متوقعة يخلق الانحراف في اللغة وان من شان الانحراف ان يوسع الإمكانات التعبيرية للغة الشاعر فاللغة تفيد في التعبير عن موقف الشاعر إزاء العالم، وهو موقف يتسم بالبعد الكوني.. ان لغة ماجد البلداوي في ( إغراءات وردة النار) لغة معقدة وهذا التعقيد ناجم عن كونية التجربة وبعدها الإنساني وهذا التصور تعضده أنماط البنى النحوية المستعملة والقلق الحاصل في المعنى في( بالحمام سأطرد البنادق) فمن المألوف ان يطرد الإنسان الحمام بالبنادق إلا ان الشاعر قلب الدلالة ليزيد التجربة الإنسانية غنى.
ـــ نشرت في جريدة الجمهورية السبت 12/ حزيران/1999



0 التعليقات:

إرسال تعليق